📁آخر الأخبار

غزة... حين يتحوّل الألم إلى تجارة والانقسام إلى سكين.. بقلم/ الناشط السياسي خالد جوده


غزة... حين يتحوّل الألم إلى تجارة والانقسام إلى سكين.. !
السؤال

فهل من أمل؟

أم أن غزة كُتب عليها أن تعيش في الظلام... كهربائيًا وسياسيًا وأخلاقيًا؟

نتتياهو المستفيد من استمرار هذا الوضع لم ينضب بنك اهدافه بعد.

في غزة، لا تنتهي الحرب بانتهاء القصف، بل تبدأ حرب أخرى: حرب البقاء، حرب الكرامة، حرب ضد من يفترض أنهم أبناء الوطن. في شوارعها المدمّرة، لا يعلو صوت فوق صوت المولدات، ولا رائحة تفوق رائحة الركام، لكن الأشد فتكًا من كل ذلك هو رائحة الفساد، والابتزاز، والخذلان.

شركة الكهرباء؟ لم تعد مجرد مؤسسة خدمية، بل أصبحت رمزًا للنهب المقنن. عروضها التي تُسوّق على أنها حلول، ليست سوى فخاخ لامتصاص ما تبقى من دم المواطن. "ادفع، كله تبرعات"، هي العبارة التي تتكرر على لسان موظف يُفترض أنه حكومي، لكنه يتعامل كأنه جابي ضرائب في زمن الإقطاع، ناسفًا كل ما تبقى من ثقة بين المواطن والدولة.

النازحون؟ أولئك الذين فقدوا بيوتهم وأحلامهم، لم يسلموا من الابتزاز. مربعات كهرباء تُشغّل بالمواتير، لا لتضيء الظلام، بل لتسرق ما تبقى في محافظهم. شاحنات رفع الركام، تركتورات فتح الطرق، كلها تحوّلت إلى أدوات ابتزاز: "ادفع لنرفع الركام من أمام بيتك، ادفع لننظف الشارع، ادفع لأن غيرك يدفع". وكأن الكارثة أصبحت فرصة، والدمار سوقًا سوداء.

البلديات، اللجان، الجمعيات؟ بعضها تحوّل إلى أدوات في يد من يسيطر على الأرض. لا كفاءة، لا تنظيم، لا رحمة. فقط فوضى، وعبارات باردة تُلقى في وجه النازحين: "هذا الموجود، مش عاجبك؟ في غيرك بيدفع". هكذا تُدار الحياة في غزة، حيث تُقاس قيمة الإنسان بما يملك من كاش، أو ما تحويه محفظته من مساعدات.

غزة اليوم ليست كما كانت. لم تعد فقط ضحية الاحتلال، بل ضحية الانقسام، ضحية الجشع، ضحية من باعوا دمها في سوق السياسة. ست حروب مرّت، وكل مرة نُمنّى بإنهاء الانقسام، ثم نُساق إلى واقع أكثر قسوة. أما هذه الحرب، فقد تجاوزت كل ما سبقها: دمار شامل، دماء في كل زاوية، وصراع على البقاء لا يرحم.

الانقسام اليوم ليس سياسيًا فقط، بل طبقيًا وأخلاقيًا. هناك من يملك ومن لا يملك، من يبتز ومن يُبتز، من يحكم ومن يُحكم عليه. عصابة تدير المشهد، تتغذى على المساعدات، وتُعيد بيعها، وتُحكم قبضتها على رقاب الناس باسم "الواقع".

الناس سئموا. لم تعد الأحلام تُبنى، بل تُقاس: "إذا استمر هذا الحكم، سنهاجر ونترك غزة، فليحكموا أنفسهم". هذه ليست مجرد كلمات، بل صرخة من قلب موجوع، من شارع فقد الثقة، من شعب بات يرى في الرحيل خلاصًا، وفي البقاء انتحارًا بطيئًا.

غزة لا تحتاج إلى كهرباء مدفوعة من دم الفقراء، ولا إلى لجان تبتز النازحين، ولا إلى بلطجية يحكمون باسم الطوارئ. غزة تحتاج إلى عملية جراحية سياسية، إلى حل توافقي حقيقي، إلى من يضع مصلحة الناس فوق مصالح الفصائل، إلى من يعيد للناس كرامتهم قبل أن يعيد لهم بيوتهم.

فهل من أمل؟

أم أن غزة كُتب عليها أن تعيش في الظلام... كهربائيًا وسياسيًا وأخلاقيًا؟

الناشط سياسي : خالد جوده
تعليقات