التقطتُ من صحيفة، معاريف الإسرائيلية يوم 17-12-2019م أبرز بنود صفقة القرن وهي: "تفكيك الجناح العسكري لحركة حماس، وتسليم السلاح لمصر، يتلقى موظفو حماس مرتباتهم من الدول العربية، وإذا وافقت السلطة على هذا الاتفاق، ورفضت حماس الاتفاق، فإن أمريكا ستدعم إسرائيل في شن حرب على غزة، وإذا رفضت إسرائيل الاتفاق فإن المساعدات الأمريكية سوف تتوقف، تتكفل إسرائيل بحماية الدولة الفلسطينية المنوي إنشاؤها وهي دولة مجردة من السلاح، بشرط أن تدفع دولة فلسطين ثمن الحماية لإسرائيل، تبقى الكتل الاستيطانية تحت السيطرة الإسرائيلية، يبقى غور الأردن مع إسرائيل مع ربطه بالأردن بأوتوستراد، وإقامة أوتوستراد بين الضفة وغزة بارتفاع ثلاثين مترا، يمول الأوتوستراد من دول الخليج والصين واليابان وأمريكا والاتحاد الأوروبي، تمنح مصرُ غزةَ جزءا من أراضيها لإقامة مطار، ومقرات للشركات والمصانع بشرط عدم إقامة الفلسطينيين في المكان، سيُرصد لهذا المشروع ثلاثون مليارا، وسوف تمول أمريكا المشروع بنسبة 20 % والاتحاد الأوروبي 10 %، ودول الخليج 70 % مع فتح المعابر بين غزة ومصر، وغزة وإسرائيل، وتأسيس ميناء بحري ومطار في غزة.
بعد خمس سنوات، تُنظم انتخابات بعد عام واحد من الموافقة على المشروع، يُطلق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين! إذا رفضت السلطة الفلسطينية وحماس هذا الاتفاق تتوقف كل المعونات الأمريكية، وتعمل أمريكا على وقف الدعم الخارجي كله" (انتهى الاقتباس من صحيفة معاريف يوم 17-12-2019م)
إن الخطط السابقة أعدتها إسرائيل في إطار (صفقة القرن) وهي الصفقة التي أُعلن عنها بدون أن تُنشر كاملة في مؤتمر صحفي عقده دونالد ترامب مع نتنياهو يوم 28-1-2020م، جاءت الاتفاقية الإبراهيمية بعد صفقة القرن وهي صيغة مُعدَّلة من صفقة القرن، مع العلم أن صفقة القرن ومعها الاتفاقية الإبراهيمية كانت مشروعا إسرائيليا أُعدت في المطبخ الإسرائيلي قبل تولي دونالد ترامب ولايته الأولى بثماني سنوات، وقد أشار باحثون إلى أن جوهر صفقة القرن جرى إعداده إسرائيليا يوم 23-9-2012م!
مع العلم أن صفقة القرن أكدت على ثوابت إسرائيل الرئيسة ومنها القدس الموحدة تحت السيطرة الإسرائيلية وهي العاصمة الموحدة لإسرائيل، بشرط أن تسمح إسرائيلُ للمسلمين والمسيحيين بأداء صلواتهم في أماكن عباداتهم، مع بقاء السكان الفلسطينيين في مراكز تواجدهم في شرق القدس!
كما أن صفقة القرن تؤكد على مبدأ تنقيح المناهج الدراسية للفلسطينيين من نصوص الكراهية والتحريض على الإسرائيليين، وتنص الصفقة على التزام مؤسسات السلطة الفلسطينية بالشفافية!
رفضتْ السلطةُ الفلسطينية هذه الاتفاقية بمجرد الإعلان عنها وكذلك الفصائل الفلسطينية بعد معرفة أبرز مبادئها، كذلك رفضتها الجامعة العربية!
أما نتنياهو فقد أثنى على الرئيس ترامب وقال عنه: "أنت أعظم أصدقاء إسرائيل"!
إن ما ورد في بداية المقال لا يعني تبرئة حاكمي غزة مما جرى من دمار وهجرة وتهجير، لأن مخططي الأحداث يوم السابع من أكتوبر وقعوا في فخ هذه المؤامرة الكبيرة على غزة، وهذا يؤكد دائما أن الجهل بالسياسة والجهل بحجم ما يملكه الإسرائيليون من قوة يدخل في إطار التهور وعدم إدراك النتائج، وهذه جريمة في حق أي حزب أو سياسي يتخذ قرارا مصيريا فرديا أو مع مجموعة من الحزب نفسه، كما أن إعلان أي حربٍ تدميرية يصب في خانة الجهل المؤدي إلى التهلكة، لا يمكن أن يتخذه حزبٌ أو ديكتاتور طاغية أو قائد عسكري واحد بالتعاون مع مشابهيه في العقيدة، مهما بلغت سيطرة هذا الحزب!
ومن هذا المنطلق فإن دول العالم المتقدمة ما تزال ترضع لبن مراكز الدراسات والأبحاث وتبني سياستها وفق البرامج المُعدَّة في هذه المؤسسات، يعتبر الإسرائيليون هذه المراكز البحثية هي التي يحق لها وضع استراتيجيات المستقبل، لذلك فإن أصحاب الملايين الإسرائيليين يسخرون أموالهم لدعم هذه المراكز البحثية، لأنها لغة العصر ومفتاح التقدم، ففي إسرائيل مراكز بحثية عالمية كبرى، أسسها وأنفق عليها المستثمرون دعما لسياسييهم، وتخطيطا لمستقبل أوطانهم!
سأظل أتذكر مركز (صبَّان) الإسرائيلي للدراسات والأبحاث كمثال واحد فقط على التعرف على سياسيات إسرائيل، هذا المركز أسسه، حايم سابان (صبّان) وهو يهودي عاش في مصر كان يعمل تاجرا للصابون، ولما أصبح مليونيرا قرر أن يفتتح مركز دراسات وأبحاث للشرق الأوسط، منح هذا المليونير مركز صابان المؤسَّس عام 2004م مبلغا وقدره 13 مليون دولار، وهو يستضيف كل عام رؤساء الحكومات وكبار الباحثين في العالم بالتعاون مع مؤسسة، بروكنغز الأمريكية في واشنطن وله ثلاث مقرات في أمريكا وقطر وإسرائيل!
كذلك لا أنسى أن المخطط الأول للاتفاقية الإبراهيمية هو البرفسور، رون روبن، أستاذ علم الديموغرافيا والجيولوجيا، وهو الرئيس الحادي عشر لجامعة حيقا، أعد هذا البرفسور نظريته الإبراهيمية بالتعاون مع بعض الجامعات العربية، وهو واضع أسس هذه الاتفاقية!
إن أكثر مراكز الدراسات والأبحاث الإسرائيلية تقع ضمن اختصاصات الجامعات الإسرائيلية الأكاديمية العشرة المتعددة التخصصات،
ولعل أبرز تلك المراكز البحثية: مركز الأمن القومي، ومركز موشيه دايان في تل أبيب، ومركز الدراسات الاستراتيجية، والمعهد الديموقراطي، ومعهد هارتمان، ومنتدى، كوهيلت في القدس، وغيرها عشرات المراكز البحثية الأخرى المحكمة!
إنَّ الجامعات في إسرائيل لا تتشابه في أساتذتها ومناهجها بل تختلف في تخصصاتها إثراءً للمعلومات وللأبحاث، فجامعة تل أبيب مثلا تختص بالمعلومات الرقمية المسيرة للعالم في الألفية الثالثة، أما الجامعة العبرية فهي مختصة بالتاريخ والتراث وتضم المخطوطات والأبحاث لتعزيز رواية إسرائيل المركزية، وجامعة بار إيلان مختصة بأبحاث الدين اليهودي، والسياسات المتعددة الأغراض، أما جامعة بئر السبع فهي للحداثة التاريخية والفلسفية بمختلف أقسامها، أما أحدث الجامعات هي جامعة، رايخمان، أو هرتسيليا سابقا فهي تنظم المؤتمرات الدولية وتستضيف الخبراء الدوليين، وكذلك الحال في جامعة، أرئيل وهي فرعٌ من جامعة بار إيلان تستقطب طلابا فلسطينيين وطلابا من دول العالم، فهي مختصة بإدارة الأعمال، بالإضافة إلى معهد وايزمان في تل أبيب ومعهد التخنيون في حيفا، هذان المعهدان مختصان بالإبداعات العلمية، بالإضافة إلى عشرات الكليات!
وسوف أظل أسرد، كيف يمكن اكتشاف المواهب وتسخيرها لخدمة السياسة في إسرائيل، لأن معظم الخطط العسكرية الجارية الآن في غزة كانت من إنتاج الجنرال والباحث، غيورا أيلاند، وهو العسكري الإسرائيلي، والباحث في مركز، هرتسيليا للأمن القومي وهو المركز المعتمد عالميا، غيورا أيلاند هو رئيس شعبة التخطيط في الجيش، فهو الذي وضع استراتيجية (خطة الجنرالات) في غزة، وهو واضع استراتيجية تفريغ كل شمال غزة من السكان الفلسطينيين وتجويعهم وترحيلهم، وكذلك هو أول من وضع في بداية الألفية الثالثة خطة توسيع قطاع غزة، في اتجاه جمهورية مصر العربية، هذا الباحث أصبح رئيسا لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وكان مشاركا في وفد التفاوض مع، شمعون بيرس عندما كان يفاوض الفلسطينيين، هذا الباحث لم يحاربه الغيورون من إبداعاته كما يحدث في الدول الصغيرة.
لا أنسى كذلك أن علماءَ وباحثين في علم السكان والجغرافيا هم الذين يصوغون السياسة الجُغرافية في إسرائيل، أما السياسيون فهم منفذو هذه السياسات، هؤلاء العلماء يقودون السياسيين، وسأظل أذكر أن البرفسور، أرنون سوفير وهو رئيس قسم الجغرافيا في جامعة حيفا هو الذي وضع أسس سور الفصل العنصري في الضفة الغربية هذا السور قسم أملاك الفلسطينيين وجعل التواصل بين القرى والمدن الفلسطينية أمرا عسيرا، وهذا بالتأكيد يؤدي إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وهناك برفسور آخر وهو أيضا رئيس قسم الجغرافيا في الجامعة العبرية، وهو، سيرجيو ديلا فارغولا، هو أيضا من خبراء علم الأنثروبولوجيا، وهو قد حذر إسرائيل من تزايد السكان الفلسطينيين بالقياس لنسبة المواليد الإسرائيليين، وهو أيضا يؤكد على أهمية التضييق على الفلسطينيين الصامدين في أرضهم منذ عام 1948 لترحيلهم من أرضهم، وكذلك التضييق على سكان الضفة الفلسطينيين، وإطلاق قطعان المستوطنين عليهم لهدف ترحيلهم أيضا!
